هي حادثة..كتبها كاتب فرنسي اسمه بيير بلمار..وسماها: خطأ انساني...وهي من كتابه:<حدث في يوم من الأيام>...وهي باللغة الفرنسية....
والكاتب فرنسي الأصل..وحاولت أن أترجمها الى العربية..لعلنا نستفيد من أحداثها..والله الموفق لما فيه خير لنا ولكل المسلمين...
<..في بعض الأحيان...عندما نمشي في طرق المدينة..ونصادف أمامنا، أناسا غرباء..لم يسبق لنا أن عهدناهم في مدينتنا..نتساءل في صمت:
ترى!..من يكونون؟..أأغنياء أم فقراء؟...سعداء أم أشقياء؟..مرحون أم منكسرون؟...متفتّحون أم منطوون؟..أم..أم..أم...أسئلة تدور في أذهاننا
دون أن نجد لها أجوبة مقنعة...قد نشاهد ..في طريقنا أشخاصا..يمرون كمجاري المياه..ونحن صامدون
كالتماثيل، نتأمّلهم دون أن نعرف عنهم شيئا..لأنّه، في الأخير لايهمّنا هذا.........................يجب الاعتراف به....................
في أمسية من أمسيات الخريف...وفي طريق من طرق مدينة<نيس> كان الناس يمرون كالرياح في هبوبها...أو قل كالبرق في سرعته...
كان من بين المّارّين...شيخ...لاأحد ينظر اليه باهتمام..لم يكن الاّ شيخا..وهذا الأخير قلّما يكون قطب العالم(مركز العالم ونواته) أي قلّما يكون مركز الاهتمام..ذلك الشيخ، كان من الممكن أن يلفت الأنظار..لأنّ شيئا في سيره لم يكن طبيعيا...كان مشيه غير عادي..ويبدو لمن شاهده أنّه يحسب كلّ خطوة يخطوها..وكأنّه مجبر على أن يتّبع خطا مستقيما..دون اعوجاج..كان يمشي دون توقّف..متّبعا سبيلا..لانهاية له..وكأنّه يبحث عن شيء قد ضاع منه..يبحث عن سعادة..فقدها وهو في قمّة شيخوخته...في قمّة احتياجه....
فجأة!..توقّف....توقّف وسط الرّصيف الضّيّق..كانت عن يساره امرأة..و عن يمينه طفل صغير وجرو...لم يتحرّك بعدها...توقّف قصد التّوقّف فقط.
كان صامدا صمود التماثيل..نظر أمامه..وكأنّه يريد معرفة كم تبقّى من طريقه...كم تبقّى من الطريق الطويل والمتعب في نفس الوقت...وكأنّه
يبحث عن هدف..عن أفق لايستطيع بلوغه...وفي الأخير..وبعد عناء طويل..فوجىء الناس بسقوطه صريعا..جامدا جمود الثلج..بدت حركات العابرين محيّرة...لاأحد يجرؤ على الاقتراب..الكلّ ينظر الى الشيخ طريح الأرض..بدهشة..وحيرة مقلقة...الكلّ..صدموا..وكأنّه لايليق السقوط في الشّارع دون استئذان....وفي تلك اللّحظة..اقتربت فتاة جريئة من ذلك الشيخ..وجلست في هدوء..نظرت في خوف قاتل...اليه..الى ذلك الجسم الهزيل..وكأنّها تخشى موته...فجأة...صرخت وهي تقول:<...انه لم يمت..>..وعلامات الفرحة بادية على وجهها ...ثمّ بدأ الناس يتجمّعون...يتحدّثون...:هل رأيتم؟..لكن كيف حدث هذا؟...من يكون؟...ماذا به؟....
-تراجعوا....تراجعوا الى الوراء...دعوه يتنفّس....اقتربت سيارة الاسعاف بصوتها المزعج..الّذي يثقب الآذان...توقّفت..وخرج منها رجال
ببدلة بيضاء...وفي أيديهم المحمل..وضعوا فوقه الشيخ المسكين...
وتوجّهوا به الى المستشفى..وساد صمت رهيب في تلك المنطقة...استنتج الدكتور ..من الفحص الدّقيق..أنّ حالته يرثى لها..حالة ميئوس منها...وتأكّد أنّه سوف لن يقضي أكثر من أسبوع..ويموت..فحياته كانت مهدّدة..ولهذا أراد الطبيب أن يعرف عنه شيئا..ربما يساعده هذا على اكتشاف عائلته..بدأ يكلّمه..ويسأله..غير أنّ الشيخ لم يقل شيئا واضحا..الاّ أنّ الدكتورفهم عبارة صغيرة، كان يردّدها المسكين الضّعيف وهي:ابني..ابني..فتأكّد الطبيب أنّ له ابنا...فبدأ يفتّش في ملابسه..عساه يجد دليلا لما سمعه.فوجد ورقة قديمة..مطويّة..من يراها..يدرك أنّها قرئت مرّات عديدة....
يا للفرحة!..لقد وجد اسم الابن وهو مارك برونسن...والمكمن الّذي يقيم فيه..لأنّ ابنه حسب الورقة..من المؤكّد أنّه يؤدّي الخدمة الوطنية...
كما وجد رقم تسجيله...يالها من سعادة!....وهو801356...
فقرّر الدكتور ارسال برقية مستعجلة الى ابن الميئوس من حياته...آملا أن يقف الى جانب أبيه..وهو يموت...في لحظة..هو في حاجة ماسّة اليه...
حتّى يموت وهو مطمئنا...مستريحا من همومه....
فأسرع الطبيب لابلاغ الممرّضة...فقامت بالمهمّة..وبعثت بالبرقيّة الّتي كانت الأمل الوحيد..والباقي لذلك المسكين الطريح الفراش....
وبالفعل...حضر الجندي الى المستشفى...دخل غرفة الانعاش...دخل غرفة الأب..وجلس بالقرب منه..ظلّ الى جانبه...ولم يبرحه...حتّى السّاعة الخامسة صباحا..ويده تحتضن يد الشيخ الطاعن في السنّ والّتي تلاشت بعد ذلك..لأنّ الأب قد مات..مات في هدوء وسكون واطمئنان
...مات..وهو يشعر أنّ ابنه الّذي تعب من أجله السّنين الطوال...دون أن يسأم..لم يتخلّى عنه...كان يحسّ بوجوده..وهو يموت...استراح في
فراش الموت..استراح..وقلبه مطمئن بوجود ابنه بجانبه..ولم يتخلّى عنه في آخر نفس يلفظه..بعد لحظات قليلة..دخلت الممرّضة..وقامت بتنظيم الشيخ..فاذا بها تفاجأبموته..وبجانبه الابن صامتا..هادئا..لا يتكلّم...فقالت الممرضة بصوت منخفض شجيّ: الآن ! انتهى كلّ شيء...لقد مات أبوك..ولم يبقى لك سوى أن تعود من حيث أتيت..بعد الاجراءات الّتي سوف نقوم بها طبعا....
-ولكن سيّدتي...انّه ليس أبي...ولاأعرفه اطلاقا....
ظهرت علامات الاستغراب على وجه الممرّضة..وقالت: وكيف هذا؟...
قال :انّهم أخطأوا في ارسال البرقيّة..بدلا أن يسلّموها لمارك برونسون...
فقد سلّموها لي....جئت وأنا أعلم أنّني لست المقصود...كنت مجبرا على المجيء..خاصة عندما علمت أنّ ذلك الشّيخ..سوف يموت..لم أرض أن يموت وابنه بعيدا عنه...لأنّه يستلزم بعث برقيّة أخرى في حالة الخطأ..الى الشخص المقصود..ويتوجّب البحث عنه لايجاده..وهذا يتطلّب وقتا طويلا
حتى تصل البرقية الى الابن الحقيقي..والمسكين...علمت أنّه لاينتظر أكثر..حتّى يموت..فأردت أن أشعره أنّ ابنه حضر..وهاقد مات..وهو يعتقد
أنّ ابنه لم يتخلّى عنه في آخر لحظة عاشها...
وفي الأخير.......................إنّه مجرّد خطأ.........إنساني.......
انتهت القصّة....
من كتاب:<حدث في يوم من الأيّام>..للكاتب الفرنسي بيير بلمار..
ملاحظة: لوكلّ واحد منّا فكّر بهذا التّفكير..وبادر بنفس الأعمال الانسانيّة الطّيّبة...ولو كلّ انسان..بذل فكره..وقلمه..وقلبه..وماله..ودمه..وجسمه...وعضلاته..وخدمته..من أجل اسعاد غيره من بني جنسه في سبيل الله..لكانت الأرض مملكة للسّعادة..وفردوسا مثاليا....لكن!..
ماكلّ مايتمنّاه المرء يدركه****تجري الرّياح بمالاتشتهي السّفن...
وشكرا على الاهتمام...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منقول